سورة العنكبوت - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


قوله تعالى: {ومِنَ النَّاس مَنْ يقولُ آمَنَّا بالله} اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال.
أحدها: أنَّها نزلت في المؤمنين الذين أخرجهم المشركون إٍلى بدر فارتدُّوا، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثاني: نزلت في قوم كانوا يؤمنون بألسنتهم، فاذا أصابهم بلاءٌ من الله أو مصيبة في أنفسهم وأموالهم افتتنوا، قاله مجاهد.
والثالث: نزلت في ناس من المنافقين بمكة، كانوا يؤمنون، فاذا أُوذوا وأصابهم بلاءٌ من المشركين رجعوا إِلى الشِّرك، قاله الضحاك.
والرابع: أنها نزلت في عيَّاش بن أبي ربيعة، كان أسلم، فخاف على نفسه من أهله وقومه، فخرج من مكة هارباً إِلى المدينة، وذلك قبل قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم إِلى المدينة، فجزعت أمُّه فقالت لأخويه أبي جهل والحارث ابني هشام وهما أخواه لأمِّه: والله لا آوي بيتاً ولا آكل طعاماً ولا أشرب شراباً حتى تأتياني به، فخرجا في طلبه فظفرا به، فلم يزالا به حتى تابعهما وجاءا به إِليها، فقيَّدتْه، وقالت: والله لا أحُلُّك من وَثاقك حتى تكفُر بمحمد، ثم أقبلت تَجْلِده بالسِّياط وتعذِّبه حتى كفر بمحمد عليه السلام جَزَعاً من الضَّرْب، فنزلت فيه هذه الآية، ثم هاجر بَعْدُ وحَسُنَ إِسلامه، هذا قول ابن السائب، ومقاتل. وفي رواية عن مقاتل أنَّهما جَلَداه في الطريق مائتي جلدة، فتبرَّأ من دين محمد، فنزلت هذه الآية.
قوله تعالى: {فاِذا أُوذِيَ في الله} أي: ناله أذى أو عذاب بسبب إِيمانه {جَعَلَ فِتْنَةَ الناس} أي: ما يصيبه من عذابهم في الدنيا {كعذاب الله} في الآخرة؛ وإِنما ينبغي للمؤمن أن يصبر على الأذى في الله تعالى لِمَا يرجو من ثوابه {ولئن جاء نصرٌ من ربِّك} يعني دولة للمؤمنين {لَيَقُولُنَّ} يعني المنافقين للمؤمنين {إِنَّا كنَّا معكم} على دينكم. فكذَّبهم الله عز وجل وقال: {أوَليس اللّهُ بأعلَم بما في صدور العالَمِين} من الإِيمان والنفاق. وقد فسرنا الآية التي تلي هذه في أول السورة.


قوله تعالى: {اتَّبِعوا سبيلنا} يعنون: ديننا. قال مجاهد: هذا قول كفار قريش لمن آمن من أهل مكة، قالوا لهم: لا نُبعَث نحن ولا أنتم فاتَّبِعونا، فان كان عليكم شيء فهو علينا.
قوله تعالى: {ولْنَحملْ خطاياكم} قال الزجاج: هو أمر في تأويل الشرط والجزاء، يعني: إِن اتَّبعتم سبيلنا حملنا خطاياكم. وقال الأخفش: كأنّهم أمروا أنفسهم بذلك. وقرأ الحسن: {ولِنَحمل} بكسر اللام. قال ابن قتيبة: الواو زائدة والمعنى: لنحمل خطاياكم.
قوله تعالى: {إِنَّهم لكاذبون} أي: فيما ضمنوا من حمل خطاياهم.
قوله تعالى: {ولَيَحمِلُنَّ أثقالهم} أي: أوزار أنفسهم {وأثقالاً مع أثقالهم} أي: أوزاراً مع أوزارهم، وهي أوزار الذين أضلُّوهم، وهذا كقوله: {لِيَحْمِلوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يُضِلُّونهم بغير عِلْم} [النحل: 25] {ولَيُسْألُنَّ يوم القيامة} سؤال توبيخ وتقريع {عمَّا كانوا يَفْتَرون} من الكذب على الله عز وجل؛ وقال مقاتل: عن قولهم: نحن الكفلاء بكل تَبِعة تصيبكم من الله عز وجل.


قوله تعالى: {ولقد أرسَلْنا نوحاً إِلى قومه} في هذه القصة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم حيث أُعلم أن الأنبياء قد ابتُلوا قبلَه، وفيها وعيد شديد لمن أقام على الشّرك، فانهم وإِن أُمهلوا، فقد أُمهل قوم نوح أكثر ثم أُخذوا.
قوله تعالى: {فلَبِثَ فيهم ألفَ سنةٍ إِلاَّ خمسينَ عاماً} اختلفوا في عُمُر نوح على خمسة أقوال.
أحدها: بُعث بعد أربعين سنة، وعاش في قومه ألف سنة إِلا خمسين عاماً يدعوهم، وعاش بعد الطوفان ستين سنة، رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس.
والثاني: أنَّه لبث فيهم ألف سنة إِلا خمسين عاماً، وعاش بعد ذلك سبعين عاماً، فكان مبلغ عُمُره ألف سنة وعشرين سنة، قاله كعب الأحبار.
والثالث: أنهُ بعث وهو ابن خمسين وثلاثمائة، فلبث فيهم ألف سنة إِلا خمسين عاماً، ثم عاش بعد ذلك خمسين وثلاثمائة، قاله عون بن أبي شداد.
والرابع: أنَّه لبث فيهم قبل أن يدعوهم ثلاثمائة سنة، ودعاهم ثلاثمائة سنة ولبث بعد الطوفان ثلاثمائة وخمسين سنة، قاله قتادة. وقال وهب ابن منبِّه: بُعث لخمسين سنة.
والخامس: أنَّ هذه الآية بيَّنت مقدار عُمُره كلِّه، حكاه الماوردي.
فان قيل: ما فائدة قوله: {إِلاَّ خمسينَ عاماً}، فهلاَّ قال: تسعمائة وخمسين!
فالجواب: أنَّ المراد به تكثير العدد، وذِكْر الألف أفخم في اللفظ، وأعظم للعدد.
قال الزجاج: تأويل الاستثناء في كلام العرب: التوكيد، تقول: جاءني إِخوتك إِلا زيداً، فتؤكِّد أَنَّ الجماعة جاؤوا، وتنقص زيداً. واستثناء نصف الشيء قبيح جداً لا تتكلَّم به العرب، وإِنما تتكلَّم بالاستثناء كما تتكلم بالنقصان، تقول: عندي درهم ينقُص قيراطاً، فلو قلت: ينقُص نصفه، كان الأَولى أن تقول: عندي نصف درهم، ولم يأت الاستثناء في كلام العرب إِلاَّ قليل من كثير.
قوله تعالى: {فأخذَهم الطُّوفان} فيه ثلاثة أقوال.
أحدها: الموت، روت عائشة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: {فأخذَهم الطُّوفان} قال: «الموت».
والثاني: المطر، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، وقتادة. قال ابن قتيبة: هو المطر الشديد.
والثالث: الغرق، قاله الضحاك.
قال الزجاج: الطُّوفان من كل شيء: ما كان كثيراً مطيفاً بالجماعة كلِّها، فالغرق الذي يشتمل على المدن الكثيرة: طوفان، وكذلك القتل الذريع، والموت الجارف: طوفان.
قوله تعالى: {وهم ظالمون} قال ابن عباس: كافرون.
قوله تعالى: {وجعلناها} يعني السفينة، قال قتادة: أبقاها الله آية للناس بأعلى الجُودِيّ. قال أبو سليمان الدمشقي: وجائز أن يكون أراد: الفعلة التي فعلها بهم من الغرق {آية}، أي عِبرة {للعالَمين} بعدهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8